في تطور لافت وسط تصاعد اللهيب في سماء الشرق الأوسط، كشفت صحيفة وول ستريت جورنال عن إرسال إيران رسائل عاجلة عبر وسطاء عرب لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل، تطلب فيها وقف الأعمال القتالية والعودة إلى طاولة المفاوضات النووية. خطوة بدت للكثيرين كمحاولة إنقاذ، لكن جوهرها يكشف عن لعبة شطرنج إقليمية تلعبها طهران بدهاء بالغ وسط نيران الغارات والصواريخ.
وتزامنت هذه الرسائل مع اتصال هاتفي بين السلطان العماني هيثم بن طارق والرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان، عبّر فيه السلطان عن رغبة بلاده في لعب دور الوسيط لاحتواء التصعيد المتنامي بين طهران وتل أبيب، في مشهد يعيد للأذهان محاولات سابقة لإخماد الحرائق المتنقلة بين الطرفين.
لكن ماذا يعني أن تبادر إيران، بعد أسابيع من ضربات إسرائيلية موجعة طالت منشآتها النووية وقتلت نخبة من قادتها العسكريين والعلماء، إلى طلب استئناف المفاوضات؟ هل هو اعتراف بالهزيمة، أم خطوة تكتيكية للحفاظ على مكاسب مهددة بالضياع؟
يرى مراقبون أن طهران، رغم الضربات التي أنهكت بنيتها العسكرية، لا تزال تراهن على ورقة “الردع غير المتكافئ”. فقد أظهرت قدرتها على إطلاق مئات الصواريخ والطائرات المسيرة التي أقلقت تل أبيب، ورسّخت لدى خصومها أنها قادرة على الرد، ولو جزئياً، في ظل اختلال ميزان القوة.
وفيما تبدو هذه المبادرة محاولة لتفادي مواجهة شاملة قد تطيح بالبرنامج النووي الإيراني تمامًا، فإنها في الوقت نفسه تنقل رسالة مفادها أن طهران لا تتوسل السلام بل تفاوض من موقع محاط بالدخان، لكنه لم يُسحق بعد.
تحت هذا السقف المحترق، تبدو واشنطن وتل أبيب في موقع الحسم. فإدارة ترامب الجديدة لا تبدو ميّالة لتقديم تنازلات مجانية، وقد تعيد صياغة شروط اللعبة بشراسة تفوق أسلافها، خاصة مع الرغبة الأمريكية الواضحة في “تقليم أظافر” طهران إقليمياً.
في المحصلة، إيران لم تستسلم، لكنها تدرك حدود قدرتها على المناورة. الرسائل الموجهة إلى العدوين التقليديين تحمل بين سطورها عرضاً غير مباشر: مفاوضات لحفظ ماء الوجه، وتجميد مؤقت لمشروع نووي دخل مرحلة حرجة، مقابل وقف الضربات وخفض التوتر.
يبقى السؤال: هل سيقرأ الطرفان الآخران هذه الرسائل باعتبارها فرصة دبلوماسية… أم مجرد فخ سياسي في ثوب رماد؟