الأحد, يونيو 15, 2025

عاجل

عودة دبلوماسية ترامب: قراءة في توجهات السياسة الخارجية الأمريكية الجديدة

شكلت جولة الرئيس دونالد ترامب الخليجية التي شملت السعودية وقطر والإمارات نقطة تحول مهمة في علاقات واشنطن بالمنطقة، إذ تحمل في طياتها إعادة ترتيب للأولويات الأمريكية في الشرق الأوسط.

ويبدو أن ترامب يسعى جاهداً لاستعادة النفوذ الأمريكي المتراجع في المنطقة وإيقاف التوجه الخليجي نحو الصين، وهو ما عبّر عنه صراحة بقوله إن “منطقة الخليج عظيمة ولم تلق معاملة تليق بها، وكانت متجهة لأحضان الصين، ولكن ذلك لن يحصل الآن”.

هذا التوجه الجديد يعكس سياسة أمريكية براغماتية بامتياز، تعطي الأولوية للمصالح الاقتصادية والاستراتيجية على حساب الاعتبارات الأيديولوجية أو الحقوقية.

وصف ترامب للخليج بأنه “عاصمة الطاقة في العالم” ليس مجرد تملق دبلوماسي، بل هو اعتراف واضح بالأهمية الجيوسياسية للمنطقة في ظل أزمة الطاقة العالمية والصراع الدولي على النفوذ.

وما يلفت الانتباه في خطاب ترامب هو إشادته الصريحة بقادة المنطقة وطريقة إدارتهم، خاصة ولي العهد السعودي الذي وصفه بأنه “يدير الأمور بشكل ممتاز”.

هذا التحول يمثل قطيعة واضحة مع سياسة إدارة بايدن التي كانت أكثر تحفظاً في علاقاتها مع بعض دول الخليج بسبب ملفات حقوق الإنسان، وهو ما يبشر بعودة قوية للعلاقات الاستراتيجية التقليدية بين واشنطن ودول الخليج.

ملف إيران النووي.. بين التفاوض والردع
يظهر من تصريحات ترامب أنه يتبنى استراتيجية متعددة المسارات تجاه إيران، فمن جهة يشدد على الخطر الذي تمثله طهران على المنطقة، ومن جهة أخرى يبدي استعداداً للتوصل إلى “حل” معها، مفضلاً الطرق السلمية على المواجهة العسكرية.

هذه المقاربة تجمع بين عناصر من سياسة “الضغط الأقصى” التي اتبعها ترامب في ولايته الأولى، وبين التوجه التفاوضي الذي بدأ يظهر في خطابه الحالي.

فتشكيكه في جدوى البرنامج النووي الإيراني يعكس رفضه المطلق لامتلاك إيران للقدرات النووية، بينما يفتح الباب في الوقت نفسه لصفقة محتملة قد تتضمن تنازلات من الجانبين.

والملاحظ، أن ترامب يحاول ربط الملف الإيراني بالقضية الفلسطينية، من خلال اتهام طهران بالمسؤولية غير المباشرة عن أحداث 7 أكتوبر عبر دعمها لحماس.

هذا الربط قد يمهد لمقاربة إقليمية شاملة تتضمن تحالفاً أمريكياً-خليجياً-إسرائيلياً في مواجهة النفوذ الإيراني، وهو ما كان يسعى إليه ترامب من خلال اتفاقيات أبراهام في ولايته الأولى.

تحول دراماتيكي تجاه سوريا
يمثل قرار رفع العقوبات عن سوريا انقلاباً كاملاً في السياسة الأمريكية تجاه دمشق استمرت لأكثر من عقد، والأكثر إثارة هو اعتراف ترامب بأن هذا القرار جاء استجابة لطلب ولي العهد السعودي، وهو ما يعكس مدى النفوذ السعودي المتزايد في السياسة الأمريكية في ظل إدارة ترامب الجديدة.

مثّل قرار ترامب برفع العقوبات عن سوريا تحولاً استراتيجياً غير متوقع، خاصة في ظل الخلفية المعقدة للرئيس الجديد أحمد الشرع، الذي تولى السلطة منذ 29 يناير 2025بعد الإطاحة ببشار الأسد.

إن ماضي الشرع المرتبط بتنظيم القاعدة في العراق (2003)، واعتقاله من قبل القوات الأمريكية، ثم تأسيسه لجبهة النصرة بعد عودته إلى سوريا عقب الثورة، يجعل هذا القرار الأمريكي محط تساؤلات عميقة حول التحول في الأولويات الأمريكية.

هذا التغيير الجذري في الموقف الأمريكي، الذي جاء بناءً على طلب ولي العهد السعودي، يشير إلى براغماتية متطرفة في السياسة الخارجية لإدارة ترامب الجديدة.

فقرار التعامل مع قيادة ذات خلفية جهادية سابقة يعكس انقلاباً كاملاً في المبادئ التي طالما تبنتها الولايات المتحدة في “الحرب على الإرهاب”.

هذا التحول قد يكشف عن استراتيجية إقليمية معقدة تهدف إلى استمالة القيادة السورية الجديدة بعيداً عن إيران، حتى لو كان ذلك يعني التغاضي عن الماضي الإشكالي للرئيس الجديد، ويبدو أن الرهان الأمريكي-الخليجي يقوم على إمكانية إعادة توجيه سوريا نحو المحور العربي، مع تقديم حوافز اقتصادية عبر رفع العقوبات، في مقابل تقليص النفوذ الإيراني في دمشق.

هذه المقاربة البراغماتية المثيرة للجدل تعكس أولوية المصالح الجيوسياسية على الاعتبارات الأيديولوجية في سياسة ترامب الخارجية، وتنذر بإعادة تشكيل جذرية للتحالفات الإقليمية في الشرق الأوسط، مع ما قد يحمله ذلك من مخاطر ومفاجآت في المستقبل.

رؤية جديدة للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي
يتبنى ترامب مقاربة مختلفة للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، تتجاوز الطروحات التقليدية وتركز على ما أسماه “منطقة الحرية” في غزة، وهو مصطلح غامض يحمل في طياته تصوراً لمستقبل القطاع يختلف عن الحلول المطروحة سابقاً.

المثير في تصريحات ترامب هو تأكيده على دور محوري لدول الخليج في إيجاد حل لقضية غزة، ما يشير إلى استراتيجية تقوم على إشراك الدول العربية الغنية في إعادة إعمار القطاع وإدارته مستقبلاً.

هذا التوجه قد يكون استمراراً لـ”صفقة القرن” التي طرحها ترامب في ولايته الأولى، والتي كانت تقوم على حلول اقتصادية للقضية الفلسطينية بدعم خليجي.

انتقاد ترامب للوضع في غزة بأنه “غير مجدٍ” وأن سكان غزة “كل 10 سنوات يعودون إلى الوراء” يعكس عدم رضاه عن الوضع الراهن والحلول المؤقتة، لكنه في الوقت نفسه يتجنب الدعوة لحل الدولتين التقليدي، مفضلاً التركيز على مفاهيم اقتصادية مثل “منطقة الحرية” التي قد تعني منطقة ذات حكم ذاتي محدود وذات طابع اقتصادي مفتوح على المنطقة.

مقاربة براغماتية للحرب الأوكرانية
تعكس تصريحات ترامب حول الحرب الأوكرانية توجهاً واضحاً نحو السعي لإنهاء الصراع عبر التفاوض المباشر مع بوتين، وهو ما يتضح من إعلانه عزمه لقاء الرئيس الروسي قريباً وتأكيده على قوة علاقته الشخصية به.

الملاحظ في خطاب ترامب هو انتقاده الضمني للرئيس الأوكراني زيلينسكي، ووصفه بـ”أعظم بائع في العالم” الذي “يأتي ويغادر بمبلغ 100 مليون دولار في كل مرة”، في إشارة واضحة إلى امتعاضه من حجم المساعدات الأمريكية لأوكرانيا.

هذا الموقف يتسق مع الخطاب الذي يتبناه الجناح المحافظ في الحزب الجمهوري، الذي يعارض استمرار الدعم غير المحدود لكييف.

المفارقة في تصريحات ترامب هي الجمع بين التعاطف مع موقف بوتين من ناحية، وإشارته إلى أن الرئيس الروسي “ظن أن الأمر في أوكرانيا سينتهي في أسبوع وقد كان يريدها بالكامل” من ناحية أخرى.

هذا التناقض الظاهري قد يعكس محاولة ترامب للعب دور الوسيط بين الطرفين، مع ميله الواضح نحو تسوية تحفظ ماء الوجه لبوتين وتضمن بعض المكاسب لروسيا.

إشارة ترامب إلى الدور التركي في المفاوضات تعكس توجهاً نحو إشراك قوى إقليمية وعدم احتكار الولايات المتحدة لملف الوساطة، وهو ما قد يمهد لتسوية متعددة الأطراف قد تنهي الصراع مع تقديم تنازلات متبادلة.

في المحصلة، تعكس تصريحات ترامب عودة لدبلوماسية تقوم على المصالح أولاً وتبتعد عن المثالية والقيم التي ادعت إدارة بايدن الالتزام بها، مما يبشر بتغييرات جوهرية في السياسة الخارجية الأمريكية خلال السنوات القادمة، سواء في الشرق الأوسط أو على الساحة الدولية عموماً.

موجز الاسبوع

الصدر بعد التصعيد بين إيران وإسرائيل:«العراق ليس بحاجة لحروب جديدة»

حذر زعيم التيار الصدري في العراق، مقتدى الصدر، الجمعة،...

أبرز السيناريوهات أمام إيران للرد على الضربات الإسرائيلية

في أول ردّ فوري على الضربات الإسرائيلية التي استهدفت...

إٍسرئيل تتوقع الرد الإيراني.. هل سيشارك الحوثي؟

الآن.. أرى أعمدة الدخان تتصاعد من طهران عقب الضربة...

التلفزيون الإيراني يعلن مقتل القائد العام لحرس الثورة وعدد من القيادات الكبيرة

أكد الإعلام الرسمي الإيراني مقتل القائد العام لحرس الثورة...

أهم المواضيع

الصدر بعد التصعيد بين إيران وإسرائيل:«العراق ليس بحاجة لحروب جديدة»

حذر زعيم التيار الصدري في العراق، مقتدى الصدر، الجمعة،...

أبرز السيناريوهات أمام إيران للرد على الضربات الإسرائيلية

في أول ردّ فوري على الضربات الإسرائيلية التي استهدفت...

إٍسرئيل تتوقع الرد الإيراني.. هل سيشارك الحوثي؟

الآن.. أرى أعمدة الدخان تتصاعد من طهران عقب الضربة...

التلفزيون الإيراني يعلن مقتل القائد العام لحرس الثورة وعدد من القيادات الكبيرة

أكد الإعلام الرسمي الإيراني مقتل القائد العام لحرس الثورة...

تعرف على المواقع الإيرانية الحساسة التي استهدفتها إسرائيل

أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن بلاده "استهدفت...

هل اغتالت إسرائيل رئيس أركان الجيش الإيراني؟

أفاد مسؤول رفيع في إسرائيل بوجود "احتمال كبير أن...

وزير دفاع إسرائيل يكشف عن المواقع الإيرانية التي تم استهدافها

شنت إسرائيل فجر اليوم هجوماً استباقياً واسع النطاق على...

مقالات ذات صلة

تصنيفات الاوسط